وقف العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل...

 

الجامعة العربية الأمريكية

أثار قرار الرئيس الفلسطيني مؤخراً حول وقف "كافة" الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل جدلاً في الشارع الفلسطيني، وهنا سنتناول معطيات هذا القرار وتداعياته وماذا يعني أن نوقف العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل:

١- على المستوى السياسي، قد يقول البعض أن القرار ليس بجديد، نعم فقد قرر المجلسان الوطني والمركزي الفلسطينيان في عدة مناسبات تعليق الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام 1967، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، و"الانفكاك" من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس. إلا أنها المرة الأولى للرئيس وبصفته الرسمية، للتاريخ، تحفظ هذه الخطوة ماء الوجه الفلسطيني، فهي تُعبر عن الغضب الرسمي في ظل الغطرسة الإسرائيلية وضرب الحقوق الفلسطينية في الحائط والتمادي في عدم التزام إسرائيل بالاتفاقيات التي أنشأت السلطة الفلسطينية لنقل الشعب من مرحلة الاحتلال لمرحلة الاستقلال، لا ندري كيف استمرت السلطة طوال هذه السنوات، كان من المنطقي والمُبرر لو توقف العمل بهذه الإتفاقيات منذ عام ١٩٩٩/٢٠٠٠.

٢- يتفق المحللون أن القرار الشفوي غير كافٍ، حيث قال الرئيس صراحة أنه سيتم وضع آليات لتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقرر المجلس تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. بدون آليات واضحة يبقى قرار شفوي لا تأثير له على الواقع، لقد قال الرئيس أنه سيتم تشكيل لجنة لتنفيذ القرار المتخذ ولإعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل، وهنا نتساءل هل نمتلك فعلاً البيئة الداخلية التي تمكننا من وقف كافة أشكال التعامل مع إسرائيل، هل نحن جاهزون للتخلي عن كل أشكال السيادة الداخلية غير الكاملة؟ نكاد نجزم أن هناك خلاف بين شخوص القيادة على هذا القرار، فمنهم مَن يعتمد بقاؤه على بقاء السلطة!

٣- قرار وقف العمل بكافة الاتفاقيات يعني دون أدنى شك وقف أي علاقة تنسيقية مع إسرائيل؛ لأن الإتفاقيات الموقعة وملاحقها تحكم كل أشكال التعامل والتبعية، أي كل أشكال الخدمات والامتيازات التي نحصل عليها بعد الموافقات الإسرائيلية فمثلاً نتوقع إنهاء عمل وزارة الشؤون المدنية ووقف أشكال التنسيقات الخاصة بالدخول والخروج عبر الحدود. وينطبق القرار أيضاً على كافة أشكال الخدمات أو التسهيلات والأعمال أو حتى الحاجات الإنسانية التي يحصل عليها المواطن الفلسطيني. وهنا علينا أن نتساءل، هل نحن كسلطة وكشعب جاهزان لكل هذه التفاصيل والتغييرات، هل نملك بدائل وحلولا للوضع الراهن؟الجواب، نعم، فالشعب والسلطة يعترفان بأن الكلمة الفصل للاحتلال، إذاً، لمَ لا نعود وببساطة للوضع قبل التسعينيات لتتحمل إسرائيل مسؤولية احتلالها المُستمر وليطالب كل فلسطيني بهذه الخدمات مباشرة من سلطة الاحتلال دون وساطة السلطة !

رابعاً: الاسرائيليون والأمريكان يردون على القرار بأن الفلسطينيين والرئيس لم يلتزما بالاتفاقيات أصلاً وأن الفلسطينيين سيدفعون الثمن بعد قرار وقف العمل بالاتفاقيات. إلا أننا نرى أن القيادة تأخرت ٢٠ عاماً لاتخاذ هذا القرار في ظل عمليات الهدم والتهجير القسري والمصادرة والاستيطان. أما التعويل على دول العالم لاتخاذ خطوات عملية لتنفيذ القرارات الأممية بشأن القضية الفلسطينية، نرى أن هذه أماني لا أكثر حيث أن دول العالم والأمم المتحدة لم تجرؤ على مدار السنوات السابقة على محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتجاوزها للقوانين والاتفاقيات، فلم تفلح دول العالم حتى على نشر لائحة بأسماء الشركات الأوروبية العاملة في المستوطنات!

هذا القرار يعكس اعتراف الرئيس بعدم قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على الاستمرار بالوضع الراهن، فالسلطة غير قادرة على تحمل العبء المعنوي ولا المادي وهنا يعكس هذا القرار اعتراف صريح من القيادة بأنها غير قادرة على الاستمرار بتسيير الحاجات ولا دفع الرواتب وغيرها وهذه دعوة ضمنية لدولة الاحتلال لتحمل مسؤولياتها كالسابق أي عهد ما قبل الاتفاقيات.

نهاية، قد نظن لوهلة أن وقف العمل بالاتفاقيات لن يؤذي إسرائيل عملياً، لا بل من الممكن فعلاً أن يدفع الشعب الفلسطيني الثمن اذا ما واجهت إسرائيل القرار بعقوبات، ولكن ما الجديد، فدولة الاحتلال ستستمر بممارساتها فوق القانون، فلقد نجحت إسرائيل بتكوين وضع راهن statue quo صعب الخروج منه حيث باتت السلطة الفلسطينية تسير أعمال الشعب وحاجاته تحت وطأة التبعية للاحتلال لسنوات، إلى متى سنقبل باستمرار الوضع الراهن والتبعية؟ يبقى قرار وقف العمل 'بكافة' الاتفاقيات، مثل الحُلم لتخليص الفلسطينيين من التبعية ولنعود لحالة 'تحت الاحتلال' ولكن بصفة مؤسسات دولة تحت الإحتلال، وليس فقط بصفة شعب تحت الإحتلال.

هذا القرار سيؤذي إسرائيل وكل من لم يعمل على تحقيق دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود ١٩٦٧.