إسرائيل ليس أمامها حلول سهلة..عبد المجيد سويلم

سأُغامر بالقول، إن الانتخابات القادمة في إسرائيل لن تحلّ أي مشكلة، وسيجد «الفائز» صعوبة لا تقل عن الصعوبة التي واجهها نتنياهو قبل حل الكنيست.
ما يعني أن الانتخابات القادمة «كانت» مهرباً وليست حلاً، وكانت مكيدة أكثر منها فرصة جديدة. وإذا لم تحدث تطورات دراماتيكية من هنا وحتى الموعد المقرر لهذه الانتخابات في أيلول القادم فإن الحال سيبقى على ما هو عليه.
إليكم الأسباب الموجبة لهذا الاستنتاج المبكر، الذي ينطوي على قدر كبير من مغامرة التوقع.
اليمين كله وبكل أطيافه يستحيل عليه تشكيل الحكومة القادمة دون الـ (16) مقعداً لـ «الحريديم».
واليمين كله يصعب عليه تشكيل الحكومة بوجودهم ودون مشاركة أو دعم حزب ليبرمان.
وطالما أن ليبرمان يعلن ويؤكد وهو حاسم بعدم المشاركة في أي حكومة بوجودهم فيها، فإن اليمين عملياً في وضع العاجز عن تشكيل الحكومة.
وطالما أن شعار ليبرمان في هذه الانتخابات هو «حكومة بلا حريديم» فإن مثل هذا الاستنتاج يُعتبر بكل المقاييس هو الاستنتاج الأكثر موضوعية ومنطقية من أي استنتاج آخر.
إذا ذهبنا إلى الوسط وما يسمى باليسار، فالأمور أكثر تعقيداً، ولكن الاستنتاج بشأن أن يتمكنوا من تشكيل الحكومة القادمة هو نفسه. إما الاستحالة أو الصعوبة الكبيرة.
فلو افترضنا عبور حزب «العمل» نسبة الحسم، وحصوله على خمسة أو ستة مقاعد، وبقيت مقاعد «أزرق ـ أبيض» على ما هي عليه، والتي تشير كل التقديرات والاستطلاعات بأنها تدور حول الـ(35) مقعداً، وحصل «ميرتس» على (5) مقاعد أو حتى (4) مقاعد، وحصل ايهود باراك على (5) مقاعد، وحصلت «المشتركة» على (10) مقاعد فقط، وحصل أي تشكيل جديد مثل (قائمة عربية يهودية مشتركة) على (4) أو (5) مقاعد، فإن الحاصل هو (64) أو (65) مقعداً. هنا تبدو الأمور سهلة لكن الواقع يقول بأن مثل هذه الإمكانية أمامها عقبات قاتلة.
إذ ليس مضموناً أبداً أن توافق «المشتركة» على توفير شبكة أمان لـ «أزرق ـ أبيض»، دون أن تقدم هذه الأخيرة «تنازلات» جدية لصالح الجماهير العربية في إسرائيل، ولصالح «الحل» السياسي مع الشعب الفلسطيني، وهو أمر مشكوك في قدرة قائمة «أزرق ـ أبيض» على تقديمه.
كما أن عبور حزب «العمل» لنسبة الحسم ليس مضموناً بعد، وهناك من يرى أن هذا الحزب آيل إلى الاختفاء.
يُضاف إلى ذلك كله أن «المشتركة» حتى كتابة هذه السطور لم يتم الاتفاق عليها بعد، بالرغم من أن كل المؤشرات تقول بأن تشكيلها سيتم، وأنها قادمة لا محالة.
كما أن من الصعوبة بمكان الحديث عن تشكيل قائمة عربية يهودية وكأنها أصبحت موجودة، وأن عبورها لنسبة الحسم، أيضاً، ليس تحصيلَ حاصلٍ بعد.
وباحتساب بسيط فإن الوصول إلى الـ (65) مقعداً ليس أمراً يسيراً، ويحتاج إلى الكثير من الجهد، ويمكن أن يرتد هذا العدد ليصبح دون الستين مقعداً.
سنكون في الواقع أمام إمكانية من هذا النوع إذا ارتضت قائمة «أزرق ـ أبيض» تقديم بعض التنازلات، وإذا وافقت «المشتركة» بعد إعادة تشكيلها على مثل هذا «البعض»، بهدف الإطاحة بنتنياهو، وإذا ما اعتبرت أن إسقاط نتنياهو هو الهدف الأكبر والأهم.
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل من السهل على قائمة «أزرق ـ أبيض» أن «تُسلِّم» رقبتها لـ»المشتركة»؟
وهل من السهل لـ»المشتركة» أن تعطي مثل هذه الشبكة للقائمة التي تتحدث عن لاءات لا تختلف جوهرياً عن لاءات اليمين المتطرف في إسرائيل؟!
وهكذا فإن الانتخابات في السابع عشر من أيلول القادم ليست هي الحل للاستعصاء السياسي في إسرائيل، وهي لن تكون حتى ولو كان هذا الحل على درجة «عالية» من «الترقيعية» السياسية.
ماذا تبقّى من حلول إذا ما عدنا إلى نفس الواقع الذي أدّى في النهاية إلى حلّ الكنيست؟
الحلّ الوحيد والأوحد هو أن يتمّ «الاستغناء» عن خدمات نتنياهو، وأن يتم ذلك إما بالتوافق بين قائمة «أزرق ـ أبيض» و»الليكود»، وفي مثل هذه الحالة ليس هناك من أهمية لكل هذه الاحتسابات للمقاعد والقوى الأخرى، أو أن يتم ذلك «عنوةً» عن طريق المحكمة، واما أن تكون لائحة الاتهام هي السبب. وفي كلا الحالتين يتم حل هذا الاستعصاء، وتتشكل حكومة قوية للغاية، ويكون وضعها مستقراً إلى أبعد الحدود، ويمكن لها أن تُقدِم على القرارات السياسية الكبيرة، بما في ذلك القرارات «المصيرية».
قائمة «أزرق ـ أبيض» ليس لديها أي اعتراض على سيناريو من هذا النوع، بل ويمكن القول إن هذه القائمة تفضل هذا الحل على كل الحلول الأخرى البديلة.
لكن «الليكود» ليس على قلب رجل واحد حيال مثل هذا الحل، بل على العكس يكاد يكون الأمر مستحيلاً دون أن تحدث تصدّعات كبيرة وانشقاقات مؤكّدة.
الشيء الذي يصعب توقعه هو حجم هذه التصدعات وهذه الانشقاقات وفيما إذا كان هذا الحجم سيؤدي إلى تشكيل حكومة مستقرة أم لا.