آخر الأخبار

أبــعــد مــن الــردع! محمد ياغي

أن يقول السيد حسن نصر الله، أمين عام "حزب الله"،: إن مقابل كل بناية في لبنان تدمرها إسرائيل، فإن حزبه سيدمر بناية في إسرائيل، وإن تدمير مطار الحريري الدولي في بيروت سيتبعه تدمير الحزب لمطار بن غوريون في إسرائيل، فإن هذا يسمى ردعاً.
وأن يقول السيد نصر الله: إن مقاومة لبنان لا تحتاج لأسلحة دمار شامل؛ لأنها قادرة على القيام بدمار شامل من خلال استهداف أماكن تخزين الأمونيا في حيفا، وإن أي عملية استهداف إسرائيلي لأي لبناني سيتم الرد عليها فوراً، فإن هذا يسمى ردعاً.
وأن يقول "حزب الله": إن أي حرب على إيران سيتم التعامل معها باعتبارها حرباً على محور كامل وعلى امتداد جغرافيا هذا المحور، فإن هذا أيضاً يسمى ردعاً. 
وهو ردع؛ لأن إسرائيل لا تتجرأ على استهداف لبناني واحد كما تفعل في الضفة الغربية وإلى حد ما في غزة، وهي لا تجرؤ على القيام بالدخول إلى الأراضي اللبنانية كما كانت تفعل سابقاً، وهي عاجزة عن توسيع مساحة حدودها البحرية على حساب لبنان بهدف البحث عن الغاز واستخراجه.
الردع هو أن يدرك العدو أن يديه مقيدتان فيما يتعلق بخصمه؛ لأن أفعاله لها أثمان باهظة سيدفعها إن تجاوزت ما وضعه الخصم لها كخطوط حمراء. 
وفي الحالة اللبنانية، الردع تحقق منذ خروج إسرائيل ذليلة من حرب تموز العام 2006، عندما فشلت في تحقيق أي من أهدافها، واضطرت إلى المطالبة بوقف إطلاق النار، في حالة نادرة لم يشهدها الصراع العربي الإسرائيلي منذ بداياته قبل سبعة عقود.
لكن أن يخرج السيد نصر الله على شاشة "المنار"، وبيده خارطة يوضح فيها أن المنطقة التي سيتم استهدافها في إسرائيل، إن وقعت الحرب، ستكون قلبها الذي تتمركز فيه الغالبية العظمى من سكان إسرائيل ومؤسساتها الحيوية الاقتصادية والأمنية والحكومية، وأن هذا القلب لا تزيد مساحته عن 1200 كيلومتر مربع، فإن هذا أكثر بكثير من الردع، خصوصاً أنه تضمن تفصيلات عن بنك الأهداف التي سيتم استهدافها إن حدثت الحرب.
لماذا يقدّم السيد نصر الله هذه المعلومات طواعية لدولة الاحتلال؟ 
هل يريد أن يذكرها بنقاط ضعفها حتى لا تقدم على الاعتداء على لبنان في لحظة حسابات خاطئة؟ 
هل هي رسالة لأميركا بأن خاصرتكم في الشرق الأوسط، إسرائيل، رخوة وأن عليكم بالتالي ألا تفكروا في مهاجمة إيران؟ 
في تقديري، إن هذا كله ممكن وهو جزء من رسالة "حزب الله" إلى إسرائيل، لكن الرسالة فيها ما هو أبعد من الردع بكثير:
الرسالة فيها أن "حزب الله" إذا ما وقعت الحرب لأي سبب من الأسباب، فإنه يريدها أن تكون حرباً محدودة ومضبوطة، وأنه إذا اعتقدت إسرائيل أن قوتها النارية التدميرية ستمكنها من حسم المعركة لصالحها وبالتالي دفعها للقيام بمئات وربما آلاف الغارات الجوية في بداية المعركة؛ لشل قدرات "حزب الله" وتحريض جمهوره واللبنانيين عموماً عليه، فهو أيضاً قادر على القيام بنفس الشيء عن طريق إطلاق مئات وربما آلاف الصواريخ الدقيقة على قلب إسرائيل وشل قدراتها وتحريض الجمهور الإسرائيلي على حكومته. 
هذا أكثر من ردع؛ لأن فيه دعوة للإسرائيليين بأن يزنوا حساباتهم خلال الحرب القادمة، إن حدثت لا قدر الله، وألا يبالغوا في قوتهم؛ لأنها سترتد عليهم بنفس المقدار دماراً وبنفس المقدار "سياسةً". 
رسالة "حزب الله" لإسرائيل، أنه لا أحد في وضع عسكري وسياسي أفضل من أحد وأن الذهاب إلى حرب شاملة مفتوحة لن تكون كارثة على لبنان لوحده ولكن على إسرائيل أيضاً. 
عقلنة الحرب، إن حدثت، هي بالتالي ما يريده "حزب الله" لأن ما يغري دولة الاحتلال على التوسع في الحرب عادة هي كثافة النيران المتوفرة لها وتفوقها التقني وعدم قدرة خصومها على الرد بالمثل. 
السيد نصر الله يقول لهم اليوم: هذا الزمن انتهى، لدينا كثافة نيران، وتقنية عالية وقادرون على إحداث نفس القدر من الدمار.
السؤال ما إذا كانت الرسالة قد وصلت للإسرائيليين. 
في تقديري، إن غرور القوة والصورة النمطية التي رسمتها إسرائيل لنفسها كدولة قادرة على البطش بأعدائها وسحقهم بلا تردد، سيحجبان عنها رؤية المتغيرات في الإقليم، وسيدفعانها للسعي لاستعادة ماض قد انتهى.
وهم بدلاً من التفكير في السلام وفي علاقات حسن الجوار والتعاون الإقليمي الذي يبدأ بإنهائهم لاحتلالهم للأراضي الفلسطينية والعربية، يفكرون وينتظرون اللحظة المناسبة لاستعادة صورة الدولة الكاذبة التي تفوقت على سبعة جيوش عربية العام 1948 وصورة الدولة التي أذلت خصومها في ست ساعات العام 1967.