آخر الأخبار

عن الحشد الشعبي في العراق 1...عبير بشير


أعاد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003، الروح  للمشروع الإيراني بشقيه: السياسي المتمثل بمشروع تصدير الثورة الإيرانية، والعسكري المتمثل ببناء ما يشبه الجيوش العسكرية الرديفة الموالية لها، من خلال الميليشيات التي أنشأتها ورعتها ومولتها، وأوكلت إليها تنفيذ أجندتها. ولعبت الولايات المتحدة دورا بارزا في تنامي النفوذ الإيراني وتمدده، على الرغم من وجودها على الأراضي العراقية بقوات عسكرية ضخمة، وصولا إلى وقوع العراق بالكامل في دائرة النفوذ الإيراني جغرافياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً وغيره.
وتنظر طهران إلى العراق من زاويتين: أنه الجار الغربي الذي يمثل تهديداً وجودياً لها، كما أنَه بوابة توسعها وتمدد مشروعها في تصدير الثورة الإيرانية شرقاً، وهو المشروع الذي أوقفته مؤقتاً حرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن غزو العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة ساعد على إخراج المارد الإيراني من قمقمه.
وهيأ احتلال العراق الظروف المواتية لإيران لتكون القوة الأولى والمؤثر الأهم من الولايات المتحدة في العراق، ولم تعترض الولايات المتحدة على تعاظم النفوذ الإيراني الذي تضاعف باستخدام القوة الناعمة الذي جعلها تتمتع بقدر كبير من النفوذ السياسي والثقافي، والقوة الخشنة.
ومنذ الأيام الأولى للاحتلال، عملت إيران على بناء شبكات داخلية في العراق، تنفذ سياساتها مقابل دعمها وتمويلها، وفي هذا الإطار اتخذت سلسلة من الخطوات العملية التي مهدت لزيادة النفوذ الإيراني والسيطرة على مراكز القرار الأمني، من خلال افتعال الأزمات الأمنية، وإشعال الفتنة الطائفية المتنقلة. وعن طريق تعيين قيادات شيعية أمنية مواليه للحرس الثوري الإيراني، وبفعل آلية تكوين المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية.
فقد جرى تكوين تلك المؤسسات بعد الاحتلال الأميركي للعراق، من عناصر الميليشيات الشيعية، التي كان معظمها موجودا في إيران قبل احتلال العراق، إذ جرت عملية دمج أعضاء تلك الميليشيات في وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني في عام 2005، مثل منظمة بدر، وحزب الله العراق، وحركة ثأر الله، وجيش المهدي، وعشرات الميليشيات الأخرى التي مُنح أفرادها المتقدمون وقياداتها رتباً عسكرية عالية، أهلتهم لقيادة ألوية وفرق قتالية دون أن يكونوا في الأساس من خريجي الأكاديميات العسكرية.
وحاولت الولايات المتحدة إعادة بناء الجيش وفق العقيدة القتالية الأميركية، لكنَ محاولاتها باءت بالفشل على الرغم من إنفاقها مليارات الدولارات، لأسباب تتعلق بغياب العقيدة القتالية الوطنية، وولاء قياداته لزعماء أحزاب وقيادات سياسية مرتبطة بالولايات المتحدة أو بإيران، وتفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وافتقار الجيش إلى قيادات مهنية تمتلك الخبرة والكفاءة العسكرية.
واتسمت علاقات إيران بالولايات المتحدة في العراق بسمتي المنافسة على النفوذ والتعاون في آنٍ واحد، ولم يكن إسقاط حكم صدام حسين ليحدث لولا التدخل الإيراني المباشر إلى جانب الولايات المتحدة، واستبداله بنظام يتوافق مع السياسات الإيرانية العليا تماماً، وهو ما أكده وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في شهادته أمام الكونغرس في 2007، الذي قال: «إنَ الإيرانيين كانوا العون الأكبر لأميركا في العراق منذ ما قبل البداية وحتى أوائل عام 2004». 
بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق نهاية 2011 ، وانفلات عقال التنظيمات المسلحة المتطرفة في سورية، أثناء الثورة السورية، وظهور ما بات يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في بلاد الشام والعراق، تمكن تنظيم داعش من فرض سيطرته على مدينة الموصل التابعة لمحافظة نينوى ومدن المحافظة الأخرى، إضافةً إلى كثير من مدن محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالي وكركوك.
وشكلت هذه التطورات الدراماتيكية سبباً- ظاهريا- في صدور فتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، المعروفة باسم «الجهاد الكفائي»، وتشكيل قوات الحشد الشعبي.
فبعد يوم واحد فقط من سقوط مدينة الموصل دعت الحكومة العراقية إلى جيش رديف من المتطوعين، لتشكيل ألوية في كل محافظة، لدرء الخطر السني، والدفاع عن المقدسات الشيعية.
وتلاشت دعوة بناء جيش رديف بعد يومين فقط من إعلانها، إذ أصدرت المرجعية الدينية في النجف – علي السيستاني-  فتوى الجهاد الكفائي، وتضمنت دعوة المواطنين لحمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم الشيعية.
وباشرت الحكومة العراقية  في تأطير «الحشد الشعبي، بإعلان تأسيس مديرية الحشد الشعبي، لتطويع القادرين على حمل السلاح من جميع المحافظات العراقية، ومن مناطق حزام بغداد، وهي عبارة عن خليط من قرى زراعية متلاصقة تحيط بمركز العاصمة.
وكانت الخطوة التالية تشكيل لجان لاستقبال المتطوعين وتسجيلهم وتنظيمهم في مجموعات، وأعطيت الأولوية للمتدربين على السلاح من أفراد الجيش السابق، أو من العسكريين الفارين، أو عناصر الميليشيات الشيعية الذين تركوا العمل لسببٍ أو لآخر. وصولا إلى تكوين الحشد الشعبي من عشرات الميليشيات الشيعية الموجودة أصلاً، مثل منظمة بدر، وسرايا السلام، وعصائب أهل الحق، والتيار الرسالي، وحزب الله العراقي، وطليعة سرايا الخراساني، ومجموعات أخرى حملت أسماء جديدة أُسست بعد إعلان الحشد الشعبي.
ويمكن القول إنه مع صدور فتوى الجهاد الكفائي، يكون العراق قد دخل مرحلة جديدة، تمثلت في تغيير صورة الصراع الدموي في العراق؛ من صراع بين جماعات مسلحة والدولة، إلى صراع بين مكونات المجتمع العراقي على أسسٍ طائفيةٍ بحتة.
وإذا كانت فتوى الجهاد الكفائي قد أضفت الشرعية الدينية على الحشد الشعبي، فإن هذا لا يكفي لتكون نشاطاته محمية بموجب القانون العراقي بصفته مؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة، وكان لا بد أنْ تتكامل شرعيته الدينية مع شرعية قانونية ودستورية.
فأقر مجلس النواب العراقي مشروع قانون في 2016 الذي ينظم عمل «الحشد الشعبي»- شكليا - ، بعدما بات تشكيلا عسكريا مستقلا، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، الذي كان آنذاك حيدر العبادي، بعيدا عن مؤسسة الجيش العراقي المرتبطة بوزارة الدفاع.
وجاء توقيت إقرار قانون الحشد الشعبي بعد أيام على إطلاق مشروع، التسوية التاريخية للمصالحة بين المكونات العراقية وتصحيح المسار السياسي وتخفيف الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، كما أن بنود القانون صيغت بما يتوافق مع مصلحة الأغلبية الشيعية في مجلس النواب التي عرقلت إصدار قانون مماثل طرحته الكتل السنية باسم قانون الحرس الوطني، الذي كان يراد منه تشكيل قوات قوامها 120 ألف مقاتل، موزعة على المحافظات العراقية كافة وفقاً لنسب عدد سكان كل محافظة، لتكون قوة بديلة عن الحشد الشعبي الذي سيضم مقاتليه إلى الحرس الوطني.