كورونا وافاعي المغارة

في الأزمات تتضح معادن الناس ، فهناك منهم من يقدم الغالي والنفيس من أجل ما يؤمن به ، وهناك  النقيض ممن هم يسعون فقط من أجل إستغلال الظرف لكي يغتنون على حساب آلام وأوجاع الأخرين.
وكون أن الصورة متكررة 
فنجد أنه عادة ما تأتي الأزمات بأشكال متعددة ، فهناك أزمات تفرز رجال وهناك أزمات طبيعية تفرز محن، وهناك أزمات صحية تفرز أوبئة وضحايا .
جميعها إفرازات ظروف إستثنائية وإنعكاس لمكونات كونية ، وتأكيد لقدرات غير طبيعية .
جميعها يكون تأثيرها مباشر على البشر، ويصبح اتخاذ القرار بشأنها دقيق وحرج ويحتاج إلى سرعة لاحتواء قلق الناس وتهدئتهم .
من هنا أجد أن هذا التحدي هو الأكبر لدى كل الحكومات كي تحتوي أي جائحة صحية كالتي  نعيشها اليوم، وهي التي قد أودت بحياة الكثير من المواطنين، لأن انعدام الأمان الصحي يخلق قلق نفسي وبلبلة لدى المواطنين وقد يحدث عدم استقرار  خاصة في ظل حراك المستغلين بدون أن يكون هناك ما يردع سلوكياتهم التي ستنعكس حتماً على الوضع العام وخاصة الوضع الاقتصادي.
هؤلاء الذين لا يردعهم ضمير ولا توقفهم حاجة الناس ولا ترهبهم دورة الأيام ، هؤلاء تظنهم أحياء ولكنهم أموات بلا ضمير.
كيف لا، وهم من المفترض أنه عند ظهور المحن تتكاتف الناس مع بعضها البعض ، ولكن هؤلاء لا يفكرون كما يفكر الآخرين لأنهم ببساطة لا يشعرون بما يشعر به الأخرون أو يتألمون كما يتألم الأخرين، بل  هم يسعون من أجل استغلال الفرص حتى لو كانت على حساب معاناة الأخرين ، وما يهمهم فقط هو جمع المال وإستغلال الظرف وكأن دعاة التكاتف هم من الأغبياء وفقط هم من الأذكياء.
كيف لا ونحن نرى أن هؤلاء يسعون لاستغلال الجائحة للتربح وتكديس الأموال حتى لو كان ذلك على حساب راحة وكرامة الناس. كيف لا وهم باتوا  يعملون ليل نهار على استغلال كل شئ بما في ذلك الإستغلال الاقتصادي والاجتماعي وأيضاً السياسي.
في ظل جائحة كورونا كانت هناك ولا زالت دروس كبيرة وعبر كثيرة ، فالأزمة شاملة وعالمية وحصل حالة من الفوضى في البداية ومازالت أثار هذه الفوضى حتى الأن.
 كثرت الأسئلة التي لم يجد المختصين لها في البداية إجابات ناجعة ، وهذا جعل الناس عرضة للاستغلال من قبل عدة جهات إستنفرت كل طاقاتها لإستغلال هذه الحالة كالأفاعي التي تنقض على الفريسة وقتما سنحت لها الفرصة بذلك، على الرغم من أن القاعدة الأخلاقية تنص على أن الأزمات والكوارث توحد البشر وتجعلهم يتخلون عن أنانيتهم وشرور أنفسهم.
مثل هذه الجهات استغلت إنشغال الإعلام  وتركيزه على الأخبار المتعلقة بكوفيد – 19 ، وبدأت تغزو كل شئ بطرق مجنونة ومحفوفة بالمخاطر الكبيرة جداً  التي لا تقنع أي عاقل بأن الأمر يتعلق فقط بالعرض والطلب!.
حيث أنه من المتعارف عليه بأن أصحاب المال والأعمال يقيسون نجاح أعمالهم بما يجنونه من أرباح ومكاسب وهذا شيئ طبيعي ومشروع في الأحوال الطبيعية، لكنه أمر مستهجن وغير مستساغ في ظل الأزمات والحالات الإستثنائية التي يتوجب عليهم خلالها النهوض وتسخير الطاقات من أجل نصرة الضعيف والمحتاج وليس إستغلاله كما تقول العديد من المشاهد المثيرة للإشمئزاز، لأنه تجسد أكثر المشاهد قسوة،  بدلاً أن تتضافر الجهود وتغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية.
لكن للأسف هناك ما نستطيع قوله أن المعايير الأخلاقية قد إنقلبت في ظل أزمة مثل أزمة كورونا لتكشف لنا بعض الوجوه البشعة التي تبحث عن التربح دون مراعاة لظروف البشر.
فهناك من يستغلون حاجة الناس ومثال على ذلك شركات الاتصالات التي تدك مضاجع المواطنين بفواتيرهم عالية الثمن ، أيضاً لو نظرنا لسوق العقارات الذين لم يقدموا أي بادرة حسن نوايا وإنتماء للتخفيف عن السكان بل إنطلق بركان من جنون المنتفعين تحت حجة الإستثمار وبعيداً عن الضوابط الأخلاقية وضرورويات تقدير ظروف الناس وكأنهم يدفعونهم دفعا لكي يصبحوا  مشردين وبلا مأوى.
إن استغلال  الأزمات لمضاعفة الأرباح أو عدم الإحساس بمعاناة الآخرين في هذه الحالات الاستثنائية هو أمر مخجل،  حيث من المفترض أنه في ظل الأزمات يتكاتف الجميع مع الجهود المبذولة من قبل الدولة فالكل مسؤول عن تخفيف أثارها.
إذاً في غياب الضمير والوازع الأخلاقي يصبح كل شئ ممكن، ولكن المحزن أن هناك من يعتبر ذلك أمراً مشروعاً  ليشجع مثل هؤلاء على إستباحة كرامة الناس وإستقرارهم وتخفيف الضغط عنهم وحماية أمنهم وسلامتهم مما يجعل الأمر  حقيقة مثيراً للتساؤل!.
لا شك بأن أزمة كورونا قد جعلتنا كمشاهدين نرى الوجه الحقيقي للدول والأفراد.
خلاصة القول إن الدرس الذي يجب أن نتعلمه من جائحة كورونا هو أن الأخلاق باتت تحتاج لإعادة صياغة على أن تكون مبنيةً على مبدأ مهم وهو أن أسمى ما في الحياة هو الإنسان وكرامته ، وأن أجمل ما في الدنيا هو خدمة البشرية بعيداً عن إختلاف الثقافات والحدود الإقليمية والفكر الاستغلالي البشع،  وأن تٌسخر كل الجهود المادية والعلمية والسلوكية على مستوى الأفراد والدول للوقوف أمام أي تحدي  مهما كان حتى ينعم الجميع بالأمن والأمان والصحة والسلام ، لذلك أرى بأنه لابد من لجم الأفاعي في مغارتها.. والرسالة التي يجب أن يعيها الجميع بأن  سنة الحياة مبنية على التعايش الإنساني وتعزيز التضامن وليس على إستغلال البشر  في أزماتهم .